هدنة ترامب وشي… استراحة مؤقتة في حرب التجارة تُعيد خريطة الاستثمار العالمي إلى آسيا

خاص «بوابة المصرف»
في عالمٍ يتبدّل فيه إيقاع الأسواق كل دقيقة، جاءت الهدنة التجارية بين الولايات المتحدة والصين بمثابة “استراحة محارب” في واحدة من أطول وأعقد المواجهات الاقتصادية في التاريخ الحديث.
الصفقة التي وصفها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنها “مذهلة”، واعتبرها الرئيس الصيني شي جين بينج “منعطفًا نحو التوازن”، لا تقتصر على تخفيف الرسوم الجمركية، بل تُعيد رسم خريطة تدفق رؤوس الأموال العالمية نحو آسيا.
توازن هشّ… لكنه ينعش شهية المستثمرين
لأشهر طويلة، ظل المستثمرون الأجانب يتعاملون مع السوق الصينية بحذر مفرط، على الرغم من الأداء القوي لمؤشر هانغ سنغ الذي قفز بأكثر من 31% منذ بداية العام، متفوقًا على ناسداك ومؤشرات أوروبا مجتمعين.
اليوم، وبفعل هذه الهدنة التي خفّضت الرسوم على المعادن النادرة وأعادت فتح قنوات التعاون التكنولوجي، يبدو أن شهية الاستثمار بدأت في الانتعاش من جديد.
لكن كما تشير كريستينا هوبر، كبيرة استراتيجيي الأسواق في مجموعة مان، فإن الهدنة “لا تغيّر قواعد اللعبة بالكامل، لكنها تُعطي المستثمرين سببًا للبقاء في الصين بدلًا من الخروج منها”.
الذكاء الاصطناعي… الحصان الأسود في الصعود الصيني
وراء الأرقام الوردية تكمن ثورة صناعية جديدة يقودها الذكاء الاصطناعي، جعلت من بكين مركزًا جاذبًا للاستثمار رغم تباطؤ النمو.
قطاع الروبوتات، الحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعي الصناعي أصبح الآن هدفًا رئيسيًا للأموال الأجنبية، خصوصًا مع دعم الدولة لمشروعات الاكتفاء الذاتي في الشرائح الدقيقة والطاقة النظيفة.
ووفقا لـ«بوابة المصرف»، فإن برامج الحوافز الحكومية الصينية، إلى جانب تخفيف التوتر التجاري، قد تُحوّل آسيا إلى بؤرة جديدة للنمو المالي والتكنولوجي، تُنافس وول ستريت وادي السيليكون خلال العقد المقبل.
أوراق واشنطن… وضباب الفيدرالي
لكن المشهد ليس ورديًا بالكامل. فالولايات المتحدة، التي تعيش ضبابية قرارات الاحتياطي الفيدرالي، تُحاول استخدام هذه الهدنة كأداة سياسية لتحييد المخاطر في عام انتخابي مضطرب.
خفض الفائدة الأمريكي الأخير بنحو 25 نقطة أساس، أعاد بعض الأمل للأسواق، لكنه أيضًا يهدد بتقويض الدولار على المدى المتوسط، ما يجعل الصين أكثر جذبًا للاستثمار الخارجي.
ما بين المنافسة والتكامل
يقول تشاوبينغ تشو من جي بي مورجان في شنغهاي:
“نحن أمام علاقة معقدة تجمع بين التنافس والتكامل. الولايات المتحدة تسعى لأمن سلاسل التوريد، والصين تسعى للاكتفاء الذاتي، وبين الاثنين تُولد فرص استثمارية جديدة لا يُمكن تجاهلها.”
ويبدو أن كبار المستثمرين في آسيا بدأوا بالفعل إعادة تهيئة محافظهم الاستثمارية، في ظل التوقعات بأن الأسهم الصينية قد تواصل الصعود بنسبة 30% حتى عام 2027، مدعومةً بتراجع الدولار وتوسّع سياسات التحفيز المالي.
حرب باردة جديدة… ولكن برؤوس أموال دافئة
الهدنة التجارية الحالية ليست سلامًا دائمًا، بل مناورة ذكية لإدارة التوتر دون إشعاله.
المنافسة بين واشنطن وبكين لن تتوقف، لكنها تتحول من صراع رسوم إلى سباق تكنولوجي وتمويلي، تُعاد فيه كتابة قواعد العولمة الاقتصادية.
في عالمٍ تُسيّره الخوارزميات وتتحكم فيه البيانات، قد تكون الصين الرابح الأكبر من هدنة مؤقتة، إن استطاعت تحويلها إلى منصة نمو طويلة الأجل.





