أسعار الذهب تقفز لأرقام خيالية.. وعمّال المناجم يدفعون الثمن

شهدت أسعار الذهب (Gold) خلال الأسبوع الجاري ارتفاعات قياسية جديدة، لتقترب من مستويات غير مسبوقة في الأسواق العالمية، وسط مخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي وتزايد التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وأوروبا. ويؤكد محللون أن المعدن الأصفر أصبح ملاذًا آمنًا للمستثمرين في ظل اضطراب أسواق الأسهم وارتفاع المخاطر العالمية.

وقالت مصادر اقتصادية لـ« بوابة المصرف» إن الاتجاه الصعودي الحاد في أسعار الذهب مدفوع بعدة عوامل، أبرزها التوقعات المتزايدة بقيام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (Fed) بخفض أسعار الفائدة خلال الاجتماعات المقبلة، إضافة إلى تراجع الدولار الأمريكي أمام سلة العملات الرئيسية.

وأشارت تقارير اقتصادية إلى أن الطلب على الذهب المادي شهد زيادة ملحوظة في كل من الصين والهند، وهما من أكبر الأسواق الاستهلاكية للمعدن النفيس في العالم. كما سجلت الصناديق المتداولة في الذهب (ETFs) تدفقات شرائية قوية منذ بداية أكتوبر، ما عزز موجة الارتفاع الحالية.

لكن هذا الصعود التاريخي له وجه آخر مظلم — إذ يعاني عمّال المناجم في دول أفريقيا وأمريكا اللاتينية من ظروف قاسية وتكاليف تشغيل مرتفعة، إلى جانب تراجع في الأرباح الحقيقية نتيجة تقلب الأسعار وتزايد تكاليف الطاقة. وأكدت تقارير دولية أن كثيرًا من شركات التعدين تواجه صعوبات في موازنة الكلفة التشغيلية مع الأسعار العالمية، رغم الارتفاع الظاهري في السوق.

ويرى خبراء أن استمرار هذا الارتفاع في أسعار الذهب قد يدفع المستثمرين إلى عمليات بيع لجني الأرباح، ما قد يؤدي إلى تذبذبات حادة في الأسعار خلال الأسابيع المقبلة، خاصة مع اقتراب صدور بيانات التضخم الأمريكية التي قد تعيد رسم توقعات السياسة النقدية العالمية.

يقول د. أحمد الزهراني، خبير الاقتصاد المُعدني الدولي: «إن الارتفاع الحاد جاء بدعم من توقعات عالمية بخفض الفائدة الأمريكية (Fed)، إلى جانب تدفّق سيولة إلى الملاذات الآمنة». ويضيف: «لكن الذهب كُلفة عالية لا يدفعها المستثمرون أنفسهم، بل يدفعها أولئك على الأرض: العمال في الأنفاق».

من جانبها، تُشير المهندسة ماريا غونزاليس المتخصصة في سلامة التعدين إلى أن «كثيرًا من عمال المناجم الصغيرة يعملون في ظروف خطرة، بمعدات قديمة، ومع ممارسات معالجة الزئبق التي تُعرّضهم للتسمم». وتضيف: «هذا الارتفاع السعري يُغري المزيد للعمل غير المنظم، دون رقابة حكومية كافية».

واضافت انه  ليس ارتفاع الذهب في حدّ ذاته المشكلة؛ بل أنه يكشف هشاشة البنى التنظيمية في قطاع التعدين الحرفي، ويضع العمال في مواجهة مباشرة مع مخاطِر صحية، استغلالية، وجغرافية.

تُظهر بيانات ميدانية أن في بعض دول أفريقيا، ارتفاع الذهب بنسبة 20 ٪ خلال شهر قد رافقه زيادة مزدوجة في الحوادث المهنية والتسرب من أنظمة العمل المرخصة إلى أنشطة غير قانونية. كما تكشف مقابلات ميدانية أن بعض العمال يضطرّون للعمل ليل نهار لتغطية تكاليف المعدات وتكاليف الطاقة المرتفعة، رغم أن الربح الصافي قد يُستنزف عند التوزيع أو النقل أو التهريب.

ويؤكد الخبراء كذلك أن مسارات الحل ليست بعيدة: تقنين التعدين، مراقبة سلامة بيئية، إلزام المشترين بمعايير الامتثال (Due Diligence) — وهي خطوات قد تحمي العمال وتُخفّف من نزيف المعاناة خلف ارتفاع الذهب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى