استثمار قطري–جزائري بـ3.5 مليار دولار يدعم تحول الاقتصاد الجزائري

دفعت الجزائر جهودها الرامية إلى تنويع اقتصادها خطوة كبيرة إلى الأمام بعد توقيع شراكة قطرية–جزائرية لإطلاق مشروع زراعي صناعي ضخم تبلغ قيمته 3.5 مليار دولار في ولاية أدرار، في واحدة من أكبر الصفقات الاستثمارية التي يشهدها القطاع الزراعي في المنطقة خلال السنوات الأخيرة.
وبحسب مجلة جلوبال فاينانس، فإن أكبر دولة في أفريقيا توفر فرصة كبيرة للمستثمرين القادرين على التعامل مع البيروقراطية الثقيلة وبيئة الأعمال غير المتوقعة، رغم ما تقدمه من سوق واسعة وموارد ضخمة.
وفي يوليو، وقّعت شركة بلدنا القطرية اتفاقية بقيمة 500 مليون دولار مع الصندوق الوطني للاستثمار الجزائري لإطلاق المرحلة الأولى من المشروع، الذي يمتد على مساحة 117 ألف هكتار ويضم 270 ألف بقرة بهدف تلبية نصف احتياجات الجزائر من الحليب المجفف وخلق 5 آلاف فرصة عمل.
ويجسد المشروع النموذج الاقتصادي الذي ترغب الجزائر في تكريسه؛ تعزيز الإنتاج المحلي بالشراكة مع المستثمرين الأجانب، مع الحفاظ على دور حكومي قوي في إدارة الاقتصاد الجزائري.
ويستفيد المستثمرون في السوق الجزائرية من رخص العمالة، والقدرة الشرائية المرتفعة، وانخفاض تكاليف الطاقة بفضل الدعم الحكومي، إضافة إلى محدودية المنافسة مقارنة بأسواق إقليمية أخرى. يقول رائد الأعمال الجزائري كامل حدار: “السوق كبيرة والمنافسة قليلة… إنه أشبه بمقهى مفتوح للمستثمرين الجدد”.
ورغم الإمكانات الهائلة، كانت الجزائر تاريخيًا تواجه صعوبات في جذب رأس المال الأجنبي؛ إذ ساهمت الحرب الأهلية في التسعينيات وقانون 49/51 السابق في عزوف المستثمرين. ورغم إلغاء القانون في 2020، لا يزال الاستثمار الأجنبي منخفضًا عند متوسط 0.4% من الناتج المحلي الإجمالي خلال خمس سنوات، بحسب صندوق النقد الدولي.
ويظل الاقتصاد الجزائري معتمدًا على المحروقات التي مثلت 92% من الصادرات ونصف الإيرادات المالية العام الماضي. ومع انخفاض أسعار الطاقة، يُتوقع تباطؤ النمو إلى 3.4% في 2025، مقارنة بـ3.6% في 2024.
وتسارعت وتيرة الإصلاحات الاقتصادية بهدف تنويع مصادر الدخل، إذ أُطلقت منصات رقمية للمستثمرين، وسُنّت قوانين جديدة للأراضي والمشتريات، كما وضعت الحكومة هدفًا برفع الصادرات غير الهيدروكربونية إلى 29 مليار دولار بحلول 2030، وإنتاج 40% من الكهرباء من مصادر متجددة.
ورغم خضوع قطاع الطاقة لقانون 49/51، فإنه يظل الأكثر جذبًا للمستثمرين؛ إذ تشير تقارير إلى أن شركتي إكسون موبيل وشيفرون تقتربان من اتفاق كبير مع سوناطراك لاستكشاف الغاز الصخري، ما قد يكشف عن ثالث أكبر احتياطي عالمي.
وفي المقابل، تسعى الجزائر لتنمية قطاعي الزراعة والتصنيع ضمن سياسة “صنع في الجزائر”، حيث أطلقت شركات عالمية مثل كوكاكولا ونستله وهاينز وبيبسيكو ودانون وكارفور عمليات محلية.
ويقول رشيد سكاك، الرئيس التنفيذي السابق لبنك HSBC الجزائر، إن إمكانات استبدال الواردات هائلة، خصوصًا في الأغذية والزراعة والسيارات.
كما تتوسع الجزائر نحو الجنوب العالمي، إذ أصبحت الصين أكبر مورّد لها بنسبة 22.9%، فيما تتجاوز استثمارات تركيا 21 مليار دولار ضمن 600 مشروع. وانضمت البلاد أيضًا لمنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، واستضافت معرضها التجاري.
إصلاحات القطاع المالي
يشهد القطاع المالي إصلاحات متسارعة منذ إنشاء وزارة الشركات الناشئة وصندوق رأس المال المخاطر عام 2020. وتهدف الجزائر إلى استقطاب 20 ألف شركة ناشئة بحلول 2030.
ويسمح قانون النقد والتمويل الجديد بتنمية المنتجات الإسلامية والمالية الرقمية، بينما تتوسع فرص التكنولوجيا المالية رغم القيود المفروضة على البنوك الرقمية.
ورغم الإصلاحات، لا تزال البنوك العامة تستحوذ على 85% من الودائع، ورغم إدراج بنوك في البورصة، تبقى خطوات الخصخصة رمزية.
ووفقا لـ بوابة «المصرف»، فإن التحدي الأكبر أمام الجزائر ليس غياب الإمكانات أو رأس المال، بل تعزيز الشفافية واستقرار القواعد التنظيمية، وهو ما سيحدد قدرة البلاد على جذب استثمارات أجنبية مستدامة في المستقبل.





