الدكتور محمد عمران يكتب :«يوم البترول المصري… ملحمة استرداد السيادة وإنجازات الحاضر»

تحتفل مصر في السابع عشر من نوفمبر من كل عام بـ يوم البترول المصري، وهو يوم يحمل في طياته عبق التاريخ وملامح الحاضر، ويجسد ملحمة وطنية خالدة تُخلّد استعادة السيادة المصرية على حقول البترول في سيناء وخليج السويس، عقب نصر العاشر من رمضان عام 1393 هـ، الموافق السادس من أكتوبر 1973.

ففي مثل هذا اليوم من عام 1975، وبموجب اتفاقية فك الاشتباك الثانية مع إسرائيل، استعادت مصر سيادتها على حقول بترول سيناء، ليصبح هذا التاريخ علامة فارقة في تاريخ الصناعة البترولية المصرية. كما استكملت مصر استرداد حقل “شعاب علي” بجنوب خليج السويس في 25 نوفمبر 1979، ضمن المرحلة الرابعة من مراحل الانسحاب، بعد توقيع اتفاقية السلام. وقد تولى وزير البترول آنذاك، المهندس أحمد عز الدين هلال، مهمة استلام الحقل من الجانب الإسرائيلي، في لحظة وُصفت بأنها من أصعب المهام في حياته المهنية، وقد كُرّم لاحقًا بوشاح النيل تقديرًا لجهوده.

جذور ضاربة في أعماق التاريخ

تعود بدايات استخدام البترول في مصر إلى العصور الفرعونية، حيث استخدم المصريون القدماء الزيت الخام في الإضاءة. إلا أن أول مسح جيولوجي علمي أُجري عام 1835 على يد ضابط بحري فرنسي، لتبدأ بعدها رحلة البحث والتنقيب.

وفي 8 يناير 1886، حُفرت أول بئر بترولية في منطقة جمصة، تلتها اكتشافات متتالية، كان أبرزها حقل “بلاعيم البحري” عام 1961، كأول حقل بحري في مصر والشرق الأوسط، ثم حقل “المرجان” عام 1965، الذي بدأ إنتاجه في 1967.

الغاز الطبيعي… قصة نجاح أخرى

بدأت مصر البحث عن الغاز الطبيعي عام 1963، وأسفر ذلك عن أول كشف في حقل “أبو ماضي” بدِلتا النيل عام 1967، ثم حقل “أبو قير” في البحر المتوسط، و**”أبو الغراديق”** في الصحراء الغربية عام 1969. ومنذ ذلك الحين، تواصلت الاكتشافات باستخدام أحدث تقنيات الاستكشاف.

رواد الصناعة ومراكز الإنتاج

تُعد مصر من أوائل الدول العربية التي أنشأت صناعة تكرير البترول، حيث أُنشئ أول معمل تكرير في السويس عام 1911، وتوالى بعده إنشاء معامل أخرى في القاهرة والعامرية وطنطا.

وتُسهم الصحراء الغربية بنسبة 56% من إنتاج الزيت الخام، تليها منطقة خليج السويس بنسبة 23%، ثم الصحراء الشرقية بنسبة 12%، وأخيرًا سيناء بنسبة 9%. ويعمل في هذه المناطق 43 شركة، من أبرزها: خالدة، بتروبل، جابكو، العامة، عجيبة، وبدر الدين للبترول، إلى جانب شركات عالمية مثل أباتشي، إيني، دراجون أويل، وشل.

الركيزة الاقتصادية

يُعد قطاع البترول المصدر الرئيسي للطاقة في مصر، ويغذي مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية، كما يُسهم في توفير النقد الأجنبي من خلال التصدير. ووفقًا لتقرير وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، تستهدف خطة عام 2023/2024 استثمارات بقيمة 99.6 مليار جنيه، منها 65.4 مليار لاستخراج الغاز، و22.4 مليار لاستخراج الزيت الخام، مع مساهمة القطاع الخاص بنسبة 84%.

وتسعى الخطة إلى رفع الناتج المحلي لقطاع الاستخراجات إلى 960 مليار جنيه بالأسعار الجارية، بمعدل نمو 16.2%، وصولًا إلى 1.14 تريليون جنيه بنهاية الخطة.

طفرة تنموية في عهد الجمهورية الجديدة

شهد قطاع البترول طفرة غير مسبوقة في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث تم توقيع 119 اتفاقية بترولية باستثمارات لا تقل عن 22.3 مليار دولار، وتنفيذ 53 مشروعًا لتنمية الحقول، إلى جانب مشروعات تكرير وبتروكيماويات كبرى، مثل المصفاة المصرية للتكرير، ومجمع إنتاج البنزين بأسيوط، وتوسعات موبكو بدمياط، وإيثيدكو بالإسكندرية.

كما تم استقطاب شركات عالمية كبرى مثل شيفرون، إكسون موبيل، وسنتامين، للاستثمار في مجالات البحث والاستكشاف والتعدين، مما يعكس الثقة الدولية في مناخ الاستثمار المصري.

نحو مستقبل مستدام

انطلاقًا من التزام مصر بالتحول نحو الاقتصاد الأخضر، تبنّى قطاع البترول استراتيجية لخفض الانبعاثات وتحقيق الحياد الكربوني، وشارك لأول مرة كشريك في قمة المناخ COP27، تأكيدًا على دوره في مواجهة التغيرات المناخية.

تحية تقدير واعتزاز

في هذه المناسبة الوطنية، نتوجه بتحية فخر واعتزاز إلى العاملين بقطاع البترول، الذين أثبتوا قدرتهم على تحويل التحديات إلى إنجازات، وساهموا في تنفيذ خطط الدولة القومية، وعلى رأسها تحويل مصر إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول الغاز والبترول.

كما لا يفوتنا أن نستذكر بكل تقدير أبطال البترول الأوائل، الذين رفعوا راية هذا القطاع على مدار أكثر من قرن، وأسهموا في بناء أحد أعمدة الاقتصاد الوطني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى