الذهب ملك الأصول الآمنة: كيف أعادت البنوك المركزية رسم خريطة الاحتياطيات العالمية

في مشهد غير مسبوق منذ نحو نصف قرن، يواصل الذهب تحطيم الأرقام القياسية للعام الثالث على التوالي، متجاوزًا 3600 دولار للأونصة، ومسجلاً مكاسب قياسية بلغت 39% هذا العام، الأعلى منذ 46 عامًا وفق بيانات “تريدنغ فيو”.

ويرجع هذا الصعود الاستثنائي إلى تحولات استراتيجية في النظام النقدي العالمي، حيث لم يعد الذهب مجرد ملاذ استثماري تقليدي، بل أصبح رمزًا للسيادة المالية والاستقرار الاقتصادي.

البنوك المركزية والمشتريات الضخمة:

منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا وفرض عقوبات غير مسبوقة على روسيا، شرعت البنوك المركزية حول العالم في تكديس الذهب بوتيرة غير معهودة. ومنذ بداية الحرب، اشترت هذه البنوك نحو 115 مليون أونصة من الذهب، متجاوزة لأول مرة منذ 29 عامًا قيمة احتياطياتها من سندات الخزانة الأميركية. وقد ارتفعت نسبة الاحتياطيات من الذهب إلى 27% مقابل 23% للسندات الأميركية، ما يعكس تحولًا هيكليًا في الثقة بالدولار الأميركي.

الصين والتكتلات العالمية:

الصين وحدها اشترت نحو 1.22 مليون أونصة خلال الأشهر العشرة الأخيرة، في رسالة واضحة حول توجهها لتقليص الاعتماد على الدولار ضمن تكتل “البريكس”. ويؤكد نور الدين محمد، الرئيس التنفيذي لشركة “تارجت لإدارة الأصول”، أن الذهب أصبح جزءًا من إعادة توزيع الثروة الاحتياطية عالميًا، بعيدًا عن هيمنة الدولار.

الدولار وتوقعات الفيدرالي:

تراجع الدولار الأميركي وارتفاع احتمالات تخفيض الفائدة يعززان صعود الذهب. وتوقع تقرير حديث لـ”غولدمان ساكس” وصول الذهب إلى 5000 دولار للأونصة بحلول 2026 في حال اهتزت مصداقية الفيدرالي الأميركي نتيجة الضغوط السياسية، وفق ما أكده نور الدين محمد.

الذهب كملاذ آمن طويل الأجل:

يختلف تأثير المشتريات حسب هوية المشترين، فحين تكون البنوك المركزية هي اللاعب الأساسي، فإن الذهب يصبح احتياطيًا استراتيجيًا طويل الأجل بعيدًا عن تقلبات المضاربات قصيرة المدى. وتظل مشتريات هذه البنوك هي الأساس المتين الذي يميز موجة الصعود الحالية عن دورات سابقة.

الخلاصة:
مع تحولات النظام المالي العالمي، والانقسامات الجيوسياسية، وتراجع الثقة بالدولار، أصبح الذهب ملك الأصول الآمنة بلا منازع، بينما تترقب الأسواق القرارات المقبلة للفيدرالي الأميركي، التي ستحدد مسار الأسعار في الأشهر القادمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى