الدكتور محمد عمران يكتب :« شهر أكتوبر»

مع انقضاء شهر أكتوبر، تتجدد في وجدان المصريين ذكرى النصر المجيد، ذكرى معركة العزة والكرامة التي خاضتها مصر في السادس من أكتوبر – العاشر من رمضان – لتسترد أرضها وتثبت للعالم أن إرادة الشعوب لا تُقهر، وأن مصر لا تعرف المستحيل. بدأت المعركة فورًا بعد هزيمة 1967، تلك الهزيمة التي وحدت الشعب المصري على قلب رجل واحد وهو يطالب بالحرب لاسترداد الأرض والعرض.
بدأت الأحداث في شهر يوليو 1967 عندما وقفت سرية على مداخل بورفؤاد لمنع وصول قوات الجيش الإسرائيلي باحتلالها، مرورًا بتدمير المدمرة إيلات وتدمير الرصيف الحربي، ومئات المعارك التي قام بها الشعب والجيش المصري في حرب الاستنزاف. كانت المعارك ليست على المستوى العسكري فقط، ولكنها أيضًا على المستوى الاقتصادي والتنموي، معارك سياسية، مخابراتية، إعلامية، معارك رفع الوعي السياسي والأمني، معارك شراء الأسلحة والمعدات المستخدمة في الحرب، معركة توفير قوت الشعب المصري (الأكل والشرب)، ومعارك الحفاظ على وحدة الشعب خلف قيادته السياسية والعسكرية.
خاض مئات المصريين معارك كثيرة في جميع المجالات، لكن لم يُذكر دورهم في الإعلام، على سبيل المثال:
الدكتور محمود يوسف سعادة:
نجح في فك شفرة وقود صواريخ الدفاع الجوي، مما مكن مصر من إنتاج كميات كافية من الوقود للاعتماد عليها في الحرب بعد توقف الإمدادات، وتمكن من إنتاج 45 طناً من وقود الصواريخ، مما ساهم في جاهزية قوات الدفاع الجوي لتنفيذ مهامها في الحرب.
المقاولون العرب:
سقط منهم 500 شهيد على الضفة الغربية للقناة في يوم واحد أثناء بناء حائط الصواريخ. يقول المهندس عثمان أحمد عثمان في كتابه «تجربتي» عن دور الشركة في الاستعداد لحرب أكتوبر: أسندت الدولة للشركة بناء قواعد حائط صواريخ الدفاع الجوي لقطع الذراع الطويلة للطيران الإسرائيلي، كما أسندت بناء حظائر الطائرات، ونجحت المقاولون العرب في تنفيذ المهمة بدقة عالية في مدة لا تتجاوز شهرين، رغم كثافة غارات العدو على المنشآت الجديدة.
نضال أبناء سيناء:
بدأت البطولات السيناوية قبل التنسيق مع جهاز المخابرات الحربية، حيث سارعوا بإنقاذ الجنود المنسحبين وإخفائهم داخل منازلهم، وإرشادهم لطريق العودة إلى السويس. وتواصلت المخابرات الحربية مع الأهالي لتجهيز أرض سيناء لمعركة التحرير. كانت المهام الأساسية تشمل جمع المعلومات عن جيش العدو، تصوير مراكز وقواعد ارتكازه، والقيام بالعمليات الاعتراضية خلف الخطوط. تم تنفيذ ذلك من خلال إنشاء منظمة “سيناء العربية”.
الدور النسائي في سيناء:
لم تكتفِ المرأة البدوية بدور المراقب، بل كانت فاعلًا مهمًا. نماذج عديدة لنساء تواصلن مع رجال المخابرات الحربية وأتممن مهامًا فدائية. تروي المناضلة فرحانة كيف دربتها المخابرات على الحصول على المعلومات ونقل تحركات الجيش الإسرائيلي، مستخدمة ذاكرتها في حفظ التفاصيل ورسمها على الرمل لتسليمها لاحقًا. أما المناضلة فهيمة، فكانت أول سيدة تنضم للعمل مع منظمة سيناء عبر زوجها، وحصلت على نوط الشجاعة من الطبقة الأولى، كما أمدت الفدائيين بالمأوى.
الجانب الاقتصادي:
-
تأمين الاحتياجات الأساسية: قامت المخابرات بتسريب معلومات كاذبة عن تلف صوامع القمح، ما أدى لاستيراد كميات كبيرة ساهمت في تأمين الغذاء أثناء الحرب.
-
استنفار القطاع العام: لعبت شركات القطاع العام دورًا محوريًا في دعم المجهود الحربي وتلبية احتياجات الشعب الأساسية لضمان استقرار الجبهة الداخلية.
الجانب الصحي والاجتماعي:
-
تجهيز المستشفيات: تم إخلاء عدد من المستشفيات وتجهيزها لاستقبال المصابين باستخدام خطة خداع لمنع إثارة الشكوك.
-
المقاومة الشعبية: ساهم المواطنون في دعم المجهود الحربي، وبرزت ملحمة المقاومة الشعبية في مدينة السويس بالتعاون مع الجيش والشرطة.
الجانب الإعلامي:
قام الإعلام المصري بدور مهم في خطة الخداع الاستراتيجي، حيث ساهم في تمويه الاستعدادات العسكرية وإرباك العدو، ورفع الروح المعنوية للشعب وتوحيد الصفوف خلف القيادة السياسية.
التجهيزات العسكرية والدبلوماسية:
-
الخداع التكنولوجي والميداني: تصنيع دبابات وعربات رادار هيكلية من الخشب لإخفاء المعدات الحقيقية، وإقامة سواتر ترابية لإخفاء التحركات العسكرية، مما ساهم في تحقيق عنصر المفاجأة.
-
التخطيط العسكري: شمل جميع الجوانب السياسية والعسكرية والعملياتية، مع مراجعة واختبار الخطط بدقة.
الرسالة للشباب:
ندعو الجيل الحالي إلى استلهام الثقة بالنفس من انتصار حرب أكتوبر المجيدة، والتأكيد على أن مصر لا تعرف المستحيل. الجيش المصري كسر أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، والشعب المصري ساند جيشه حتى تحقق النصر العظيم. ورغم انتهاء الحرب، لا تزال الدول المعادية تستخدم حربًا نفسية ضد مصر، لذلك يجب دعم مؤسسات الدولة الوطنية.
مصر ولادة، لا تُنسى تضحيات أبنائها، وستظل شامخة على مر التاريخ بجيشها وشعبها، حفظها الله من كل سوء ورعاها.





