محمد أنور يكتب:« الآداب في مصر القديمة»

بلغ المصري القديم مكانة عظيمة في ميدان العلوم والآداب، ورغم قلة ما عثر عليه من تراث مصر الأدبي، إلا أنه كافٍ ليشير إلى الثراء الذي تميز به إنتاج هذه البلاد في ميدان الأدب.
شمل الأدب كل أنواع الإنتاج الأدبي المعروف اليوم تقريبًا، فعرف النثر والشعر، وعالج موضوعات الأسطورة والملحمة والقصة والنصيحة والحكمة والمديح والهجاء والمثل والنشيد، والأدب التعليمي والنقد والتوجع والرسائل، وآداب التراجم والرحلات، كما شمل أيضًا الغناء والغزل.
عبر هذا الإنتاج الأدبي بصدق عن ظروف مصر البيئية والحياتية، والمعروف أن ما وصلنا من أدب الدولة القديمة قليل يقتصر على ما يسمى بنصوص الأهرام.
عثر على مجموعة طيبة من المؤلفات الأدبية تنبئ عن وعي أدبي في الأسرة السادسة، أما في الأسرة الثانية عشرة فوجد مؤلف يشكو صعوبة الوصول إلى أي شيء جديد. أما في الدولة الحديثة، فقصصها تتميز بالبساطة، وتوجد لدينا أيضًا تلك المجموعة غير المتجانسة المعروفة بـكتاب الموتى، وهو كتاب يجمع ما في الحياة الآخرة من طقوس وأناشيد وتسابيح وخطابات ملكية وأخرى خاصة بالأفراد، وسجلات تاريخية وقوانين ومعاهدات، وقصص مثل قصة سنوهى، ومجموعات من الحكم التعليمية التي وضعت لتهذيب الأمراء الشبان، فضلًا عن ميراث وكتب الحكمة التي تثير المقارنة بأسفار التوراة.
يتميز هذا الأدب بضخامة اللفظ والاستعارات الملمّة، ولكنه أدب تشيع فيه الصراحة وحسن التصوير والفكاهة.
نموذج من الأدب المصري القديم: أسطورة إيزيس وأوزوريس
تحكي الأسطورة أنهما كانا أخوين وزوجين، وكان أوزوريس إلهًا وملكًا على البشر، يحكم بينهم ويهديهم إلى ما يصلح أمرهم، إلى أن حقد عليه أخوه ست فكاد له وقتله وألقاه في اليم واغتصب عرشه. وظلت إيزيس الوفية تبحث عنه حتى عثرت على جسده واستعانت بسحرها حتى ردّت إليه روحه لفترة من الوقت، حملت منه خلالها حملًا ربّانيًا ووضعت طفلها حورس، ربّته خفية في أحراش الدلتا، وعاونتها على كفالته مخلوقات كثيرة.
وعندما شب ولدها، طالب بعرش أبيه، وعرض قضيته على محكمة الآلهة، وجاء بجسد أبيه ليكون شاهدًا على صدقه. أدان القضاء الإلهي ست بالاعتداء، وأعاد أوزوريس إلى الحياة، ولكن فضل أن يذهب ملكًا على العالم السفلي بعيدًا عن الشر، وهناك عاود نشاطه بدفع الخصب إلى التربة في موسم الإنبات.
أما حورس المناضل من أجل إثبات حق أبيه، فتذكر الأسطورة انتصاره، وتسجل في نهاية إحدى الروايات على لسان إيزيس: “لقد توج حورس ملكًا، وأصبح التاسوع (مجمع الآلهة) في عيد، وأصبحت السماء في سرور، ويمسك الآلهة بأكاليل الزهور عندما يرون حورس بن إيزيس الذي توج ملكًا عظيمًا على مصر”.
استمر المصري القديم يكتب القصة ويتداولها ما بقى من عصور تاريخه، وتسامر بحكايتها المدرسون لتلاميذهم، وتعتبر قصة سنوهى من أفضل الإنتاج القصصي المصري.
أما الشعراء في مصر القديمة فقد اهتموا بعدد من الموضوعات ملؤا الدنيا تغنيًا بها، فعظموا الآلهة والملوك، كما تغنوا بجمال الطبيعة، ورقصت قلوبهم طربًا على أنغام كلمات الغزل.
نموذج من أشعار المصريين القدماء
فعن آتون، ذكر الشاعر ضمن نشيده الكبير:
“أنت تطلع ببهاء في أفق الشمس
يا آتون الحي، يا بداية الحياة
عندما تبزغ في الأفق الشرقي
تملأ البلاد بجمالك
أنت جميل، عظيم، متلألئ، عالي فوق كل بلد
تحيط أشعتك بالأراضي كلها
لأنك أنت رع فإنك تصل إلى نهايتها
وتخضعها لإبنك المحبوب أخناتون.”
وعن أغاني الغزل، تصف مشاعر المحبوبة عندما ترى حبيبها وعندما تلتقي به أنها تحس بالسعادة. وفي إحدى الأغاني يفيض الشاعر في وصف محبوبته:
“جميلة العينين عندما تنظر
حلوة الشفتين عندما تفتحها لتتحدث
طويلة العنق، جميلة الثدي
شعرها أسود يلمع
ذراعها يفوق الذهب في حلاوته
أما أصابعها فمثل براعم اللوتس
ينبئ ساقاها عن جمالها
ما أرشق قدها عندما تسير
لقد سلبت قلبي…”
وترك لنا المصريون القدماء ثروة هائلة من الحكم والنصائح، وأشهر هذه البرديات النصائح المنسوبة لبتاح حتب، وزير أحد ملوك الأسرة الخامسة.
ومن أدب الحكم والنصائح تلك المنسوبة للملك أختوى من الأسرة العاشرة، وفي هذه النصائح نرى أثر التغيير الاجتماعي الذي شهدته مصر بعد انهيار الدولة القديمة وما تبعه من انهيار قيم قديمة تعطى الجنة للأثرياء.
وهناك أيضًا نصائح الملك أمنمحات الأول لولده سنوسرت الأول، ويحتمل أنها عمل أدبي كتب على لسانه، حيث تضم أحداث ليلة اغتياله.





