رامي زهدي يكتب: «إسرائيل والعالم.. من صديقٍ للبعض إلى عدوٍّ للجميع وجارٍ لا يؤمن شرّه»
"إسرائيل.. عدوّ الجميع بعد أن سقط قناع الجوار والصداقة الزائفة"

رامي زُهدي – مُساعد رئيس #حزب_الوعي
لم يعد في المشهد ما يستدعي الالتباس أو التضليل؛ فإسرائيل التي روّجت لنفسها يومًا كدولة تسعى للسلام، وجارة يمكن الوثوق بها، أو “صديق” للبعض في محيطها، سقط عنها القناع تمامًا، وباتت تُرى على حقيقتها كعدوٍّ مكشوف، لا يؤمن جانبه ولا ينقطع شرّه. لقد كشفت الوقائع المتراكمة خلال العقود الماضية، والتقرير الأممي الأخير بوجه خاص، أن إسرائيل ليست مجرد طرفٍ في نزاع سياسي أو إقليمي، وإنما مشروع عدوان دائم يستند إلى القوة الغاشمة ويمارس القتل الممنهج والإبادة الجماعية كأدوات ثابتة في سلوكه السياسي والعسكري.
إن ما يحدث اليوم لم يعد محصورًا في معاناة الشعب الفلسطيني فحسب، بل أصبح تهديدًا شاملًا للأمن والاستقرار في المنطقة والعالم. فدولة الاحتلال لا تكتفي بارتكاب جرائمها بحق المدنيين في غزة والضفة، بل تنقل مخاطرها إلى دول الجوار، وتضع المنطقة بأسرها على حافة الانفجار. هنا تتبدى الحقيقة التي ربما غابت أو تم التغاضي عنها يومًا: إسرائيل ليست “جارًا عاديًا” يمكن الاطمئنان إليه أو الركون إلى وعوده، بل هي دولة عدو بالمعنى الكامل، تمثل تهديدًا دائمًا يتجاوز حدود فلسطين ليطال حاضر ومستقبل الإقليم بأسره.
لقد جاء تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة ليشكّل لحظة فاصلة في مسار كشف الحقيقة أمام العالم، إذ لم يعد الأمر محصورًا في توصيفات محدودة من قبيل “انتهاكات” أو “تجاوزات” دأبت بعض القوى الدولية على ترديدها تواطؤًا أو تسترًا، بل أصبح توصيفًا حاسمًا يضع الاحتلال في مصاف الأنظمة التي مارست أبشع صور القتل الجماعي الممنهج عبر التاريخ الحديث. إن الأرقام الواردة في التقرير من عشرات الآلاف من الشهداء، ونِسَب صادمة من الأطفال والنساء ضمن الضحايا، ودمار طال أكثر من 70% من البنية التحتية المدنية الأساسية في غزة، بما فيها المدارس والمستشفيات ودور العبادة، لا تترك مجالًا لأي التباس، بل تضع المجتمع الدولي أمام استحقاق قانوني وأخلاقي عاجل لا يمكن التنصل منه.
هذا التقرير ليس مجرد وثيقة حقوقية عابرة، بل هو صك اتهام رسمي يستوجب فتح أبواب الملاحقة القضائية على مصراعيها أمام المحكمة الجنائية الدولية، وأن يترتب عليه تفعيل آليات العقوبات الدولية وفرض العزلة القانونية والسياسية على كيان الاحتلال. فالإبادة الجماعية جريمة لا تسقط بالتقادم، ولا يعفي منها صمت الدول أو ازدواجية المعايير. وإن أي محاولة لتجاهل هذا التقرير أو الالتفاف عليه، هي شراكة مكتملة الأركان في الجريمة ذاتها.
إن الاستمرار في تجاهل المجتمع الدولي لهذه الجرائم سيؤسس لموجة غير مسبوقة من الفوضى القانونية، حيث ستفقد منظومة العدالة الدولية ما تبقى من مصداقيتها، وسيتكرس منطق الظلم في العلاقات الدولية على حساب القيم الإنسانية، وفي المقابل، فإن التعامل الجاد مع هذا التقرير سيعيد الاعتبار لحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وفي مقدمتها حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
ولا يمكن هنا إغفال صمود الشعب الفلسطيني الذي حوّل مأساته اليومية إلى شهادة ووثيقة حيّة على وحشية الاحتلال. لكن الواجب يفرض أيضًا دعوة القوى السياسية والمدنية العربية والإسلامية والمسيحية الشرقية والدولية للتحرك العاجل من أجل تفعيل أدوات العدالة الدولية عبر إحالة التقرير مباشرة إلى المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، وفرض عقوبات رادعة على دولة الاحتلال ووقف كافة أشكال التعاون العسكري والاقتصادي معها.
كما أن هناك حاجة إلى إطلاق تحرك برلماني عالمي منظم لإصدار تشريعات تجرّم التعامل مع الاحتلال على غرار ما جرى مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، إلى جانب دعم المسار الشعبي والإعلامي في دول العالم كافة لكشف جرائم الإبادة على أوسع نطاق وحشد الرأي العام العالمي لإعلاء صوت الضحايا.
إن مصر، بما تحمله من مسؤولية تاريخية تجاه القضية الفلسطينية وبما تمثله من ثقل إقليمي ودولي، ماضية في جهودها الحاسمة لدعم الشعب الفلسطيني سياسيًا ودبلوماسيًا وإنسانيًا، وهي مؤهلة لقيادة جبهة عربية–إفريقية عريضة لتبني نتائج التقرير الأممي وتحويلها إلى واقع عملي يردع الجريمة ويُنصف الضحية.
ما يجري في غزة، وما ينعكس على دول المنطقة من تهديدات إسرائيلية، ليس حربًا تقليدية ولا نزاعًا مسلحًا محدودًا، بل هو جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان ضد الشعب الفلسطيني، وحالة حرب حقيقية ضد استقرار الإقليم بأسره، مما يضع إسرائيل في موضع “العدو” للجميع لا “الصديق” حتى ولو للبعض، ولا “دولة جوار ساعية للعيش بسلام”، أبدًا.
وإذا لم يتحرك الضمير الإنساني اليوم، فإن الأجيال القادمة ستكتب أن العالم شاهد القتل الجماعي بالصوت والصورة، وبالأرقام والوثائق، لكنه آثر الصمت، فصار شريكًا في الجريمة. و”شريك الجريمة مجرم”.
إن الصراع مع الاحتلال لم يعد قضية تخص الفلسطينيين وحدهم، بل هو اختبار أخلاقي وقانوني كوني، وعلى المجتمع الدولي أن يختار: إما أن يكون شاهدًا للعدالة، أو شريكًا في الإبادة.





